فصل: مسألة الرجل يتصدق بداره على رجل على أن يتزوج ابنته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة المرأة تستحلف وليها على نكاحها على أن يزوجها من فلان بكذا:

من سماع محمد بن خالد من عبد الرحمن بن القاسم قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن المرأة تستحلف وليها على نكاحها على أن يزوجها من فلان بكذا وكذا، وشرط كذا وكذا، وأشهدت على الولي الموكل بذلك. فذهب الولي فزوجها بذلك من الصداق وترك الشرط.
فقال ابن القاسم: إن كان لم يدخل، فالأمر إليها، إن شاءت أقامت، وإن شاءت انفسخت من تزويجه.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كان لم يدخل، فالأمر إليها إن شاءت أقامت وإن شاءت فسخت. ظاهره في القرب والبعد، إذ لم يفرق بين ذلك. وهو مثل ما مضى في سماع سحنون، وخلاف لما تقدم في أول سماع يحيى، وقد مضى القول على ذلك هنالك مستوفى وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يتصدق بداره على رجل على أن يتزوج ابنته:

قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتصدق بداره على رجل على أن يتزوج ابنته فيقبل صدقته على ذلك، فيتزوج ابنته ويصدقها الدار التي تصدق بها عليه أبوها ليس مع الدار شيء غيرها. قال: أراه نكاحا جائزا، ولا أرى بذلك بأسا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة، وقد تقدمت والقول فيها في سماع سحنون، فلا وجه لإعادته والله الموفق.

.مسألة الرجل يخصى من قبل أن يدخل على امرأته هل لها الخيار في نفسها:

قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يُخْصَى من قبل أن يدخل على امرأته. هل لها الخيار في نفسها؟ فقال: نعم ذلك لها.
قلت: لابن القاسم: فإن خصي بعدما دخل بها ومس؟ فقال: لا خيار لها.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب. وذهب أصبغ إلى أنه لا فرق بين أن يخصى قبل أن يمس أو بعد ما مس؛ لأنها بلية نزلت به، وليس ذلك من قبله ليضر امرأته، فهي مصيبة نزلت بها، وقوله هو القياس. ووجه القول الأول: أن المرأة إنما تزوجت على الوطء، فإذا نزل به ما يمنعه من الوطء قبل أن يطأ، كان لها الخيار، إذا لم يتم لها ما نكحت عليه، وإذا نزل به ذلك بعد أن وطئ لم يفرق بينهما، إذ قد نالت منه ما نكحت عليه، ولا حجة لها في امتناع المعاودة، إذا لم يكن ذلك من قبله إرادة الإضرار بها وبالله التوفيق.

.مسألة الوصي يزوج يتيمته في حجره قبل أن تبلغ المحيض:

من سماع عبد المالك بن الحسن من عبد الرحمن بن القاسم قال:
وأخبرني عبد المالك بن الحسن أنه سمع ابن القاسم سئل عن الوصي يزوج يتيمته في حجره قبل أن تبلغ المحيض، قال: يفسخ النكاح إن كان لم يبن بها، وإن كان بنى بها وأصيب بها النكاح وتطاول ذلك عليها مضى، إلا أن تكون مسكينة لا قدر لها فيمضي النكاح وإن لم يدخل بها.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها موعبا في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم. فلا معنى لإعادته ها هنا.

.مسألة الرجل يزوج ابنته البكر ولا ولد له غيرها فيموت فتزعم أنها ليست ابنته:

وسألت عن الرجل يزوج ابنته البكر، ولا ولد له غيرها، فيموت الأب، فتزعم الابنة أنها ليست ابنته، وإنما هي يتيمة، وتنتفي من الميراث، ولا بينة للزوج أنها هي بعينها، إلا سماعا من الأب أن له ابنتا بكرا، فشا ذلك في الناس، ولا يثبتها الشهود. هل يلزمها النكاح؟ وكيف إن كان لها إخوة غير عدول، فشهدوا أنها أختهم، ما الأمر فيه وما يصنع بنصيبها من الميراث؟ وكيف إن قبلت قولها ولم يلزمها النكاح إن زعمت بعد ذلك أنها ابنته؟ قال: لا يلتفت إلى قولها. وقول أبيها هو الذي يلزمها على ما أحبت أو كرهت في نكاحها وميراثها، ولحوق نسبها، وجميع أمورها.
قال محمد بن رشد: سحنون في النوادر فيمن أقام بينة على رجل أنه زوجه ابنته فلانة، لا يعلمون أن له ابنة غيرها، وهي بكر، فأنكرت الابنة، إن النكاح لا يلزمها، إلا أن تعرف البينة التي شهدت على النكاح عينها أو غيرهم فيلزمها، وقوله: حقيقة القياس؛ لأن النبي عليه السلام يقول: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر». والزوج مدعٍ على هذه الجارية أنها ابنة الرجل الذي زوجها، والجارية منكرة لذلك، فوجب أن يكون على الزوج إقامة البينة على ما يدعي. وهذا إذا مات الأب أو غاب؛ لأنه إن كان حاضرا فالقول قوله إنها ابنته؛ لأن استلحاقه لها جائز، ما لم يتبين كذبه. والصواب قول ابن القاسم، وإن لم يكن على حقيقة القياس، إذ قد يؤدي طرد القياس إلى غلو في الحكم، ويكون الاستحسان أولى منه. وقد كان ابن القاسم يقول: ويروى عن مالك أنه قال: تسعة أعشار العلم الاستحسان. فإذا أقر الرجل أن له ابنة بكرا وفشا ذلك من قوله وزوجها ومات وهي في حجابه، فلما طلبها الزوج بالنكاح أنكرت، وقالت: لست ابنة له، وإنما أنا يتيمة في حجره، ولم يكن في حجره غيرها، فيشك فيها، ولا سمع أن ابنته التي تزوجها، وكان يقر بها سمع أنها ماتت ولا غابت، وجب أن تحمل على أنها هي ابنته التي زوجها، وكان يقر بها، فيلزم النكاح ويحكم عليها به؛ لأن الظن يغلب على صحة ذلك حتى يكاد أن يقطع عليه. والحكم بما يغلب عليه الظن فيما طريقه غلبة الظن أصل في الشرع. وقد روي عن القاضي أبي بكر بن زرب أنه كان يقول في رجل هلك وأحاط بوراثته زوجه وبنوه منها، فشهد الشهود أنهم يعرفون عين الزوجة، ولا يعرفون أعيان البنات، إن شهادتهم جائزة، واستدل على ذلك برواية عبد المالك هذه قال: ولو قال الشهود إنهم يعرفون أعيان البنات، ولا يعرفون عين المرأة لم تجز الشهادة؛ لأن البنات محمولات على الحجاب، ولذلك يعذر الشهود في ذلك، وتنفذ شهادتهم. والزوجات لسن محمولات على الحجاب كالبنات، ولذلك فرقت بينهما وليس قوله بصحيح، لا فرق في هذا بين الزوجات والبنات. والذي جرى به العمل ألا يكلف الحاكم الشهود على الموت والوراثة، الشهادة على أعيان الورثة ابتداء، لا الزوجة ولا غيرها، حتى يحتاج إلى الإعذار إليهم فيما يثبت عليهم أو على الميت الذي ورثوه، فحينئذ يكلف الشهود الشهادة على أعيانهم ليعذر إليهم، فإن لم يثبتوا أعيانهم لم يصح له الحكم عليهم، إلا أن يثبت أعيانهم عنده بغيرهم، وكذلك إن ماتوا أو غابوا، هذا الذي لا يصح سواه والله أعلم.

.مسألة الرجل يبتلى بالجذام هل لامرأته الخيار في الطلاق:

قال: وسألت عبد الله بن وهب عن الرجل يبتلى بالجذام ونسأل الله العافية، فترفع امرأته أمرها إلى السلطان، ويكون المبتلى حينئذ ليس بفاحش المنظر، غير أنه بين به لا يشك فيه فهل لامرأته الخيار. إذا كان شيئا لا شك فيه؟ فإنه بلغنا أنه لا يكون لها الخيار حتى يكون من ذلك ما لا قرار عليه، وليس على شيء منه صبر ولا قرار إذا استيقن به. فما حد ذلك الذي إذا بلغه كان لامرأته الخيار واجبا؟ والمجنون الذي لا يفيق إذا كان يخاف أذاه، أو كان ممن لا يخاف ذلك منه. هل لامرأته الخيار أيضا إذا أرادت فراقه؟ وإن كان ينفق عليها من ماله إذا كان الجذام بينا عند الناس لا شك فيه، فرق بينهما إذا طلبت الفرقة، وإن لم يكن مؤذيا ولا فاحشا؛ لأنه يزيد، ولا تؤمن زيادته ولا نقصانه. وإن كان الأمر الخفي الذي شك فيه، وليس بيّنًا يعرفه الناس أنه جذام، لم يفرق بينهما، ولم يكن لها خيار. وأما المجنون، فسواء كان معتوها مطبقا مخبلا، أو جنون أفاقه، يخنق فيه المرة بعد المرة، إذا كان يؤذي امرأته في ذلك، ولا يعفيها من نفسه، ويخاف عليها منه، حيل بينه وبينها في الخوف، وضرب لها أجل سنة يتعالج فيها، وهو قول مالك في السنة، ولا أعلمه إلا أنه قال: يحبس في حديد أو غيره، إذا لم يكن يؤمن عليها منه، وينفق عليها من ماله، فإن برئ، وإلا كان لها الخيار إذا انقضت السنة. وذلك رأيي.
وأما إذا كان يعفيها من نفسه ولا يرهقها السوء في صحابته، ولا يخاف عليها منه ولا من ناحيته في خلوته، لم أر لها الخيار، ورأيتها امرأته بحالها. وقال أشهب: ليس للجذام حد، إلا أنه إذا كان متفاحشا لا يحتمل النظر إليه، وتغض الأبصار دونه. فأرى أن لها الخيار، وإن شاءت أقامت، وإن شاءت فارقت، فإن شاءت الإقامة، ثم بدا لها كان ذلك لها. وأما الجنون الذي لا يفيق منه، فإن كان ممن يخاف أذاه ولو مرة أو مرتين في الشهر، فأرى لامرأته الخيار، وإن كان لا يخاف أذاه فلا خيار لها.
قال محمد بن رشد: في قول ابن وهب في الجذام: إنه يزيد ولا يؤمن زيادته ولا انتقاصه، دليل على أنها إن رضيت بالمقام معه ثم أرادت بعد ذلك القيام عليه، لم يكن ذلك لها. وإن زاد جذامه على ما كان حين رضيت بالمقام معه خلاف ما مضى في رسم الجواب قبل هذا. وتفرقته في المجنون بين أن يعفي امرأته من نفسه أو لا يعفيها، خلاف ما مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى. وقول أشهب في الجذام إنه لا يكون للمرأة الخيار إلا إذا كان فاحشا تغض الأبصار دونه، معناه: إذا كان حادثا بعد العقد. وقوله: إذا رضيت بالإقامة ثم بدا لها، كان ذلك لها، ظاهره وإن لم يزد خلاف ما مضى في رسم الجواب من سماع عيسى قبل هذا. وخلاف قول ابن وهب هنا فهو قول تافه في المسألة. وقد مضى تمام القول على هذه المسألة موعبا في رسم نقدها من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

.مسألة أسلم النصراني وهو غائب وامرأته نصرانية فأسلمت بعده ثم نكحت:

قال عبد الله بن وهب: إذا أسلم النصراني وهو غائب، وامرأته نصرانية فأسلمت بعده، ثم نكحت، ولا علم لها بإسلام زوجها، وقالت البينة إن إسلامه كان قبل إسلامها، فإنه إن أدركها قبل أن يبتني بها زوجها فالأول أحق بها، وإن لم يدركها إلا بعد البناء فلا سبيل له إليها. قال مالك: إن كان إسلام المرأة قبل إسلام زوجها وهو غائب فانقضت عدتها ثم نكحت، فقدم زوجها، فلا سبيل له إليها بعد انقضاء عدتها نكحت أو لم تنكح.
قال محمد بن رشد: إذا أسلمت النصرانية قبل إسلام زوجها فإسلامها يوجب الفرقة بينهما، إلا أن السنة قد أحكمت أنه يكون أحق بها إن أسلم في عدتها، واختلف إن لم تعلم بإسلامه في عدتها حتى تزوجت. فقيل: إنه لا سبيل له إليها إذا تزوجت. وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه في المبسوطة وقيل: وهو أحق بها. وإن تزوجت ما لم يدخل بها الزوج، وهو قول مالك في المدونة وغيرها وقول ابن وهب ها هنا.
ونظير هذه المسألة الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها فتعلم بالطلاق ولا تعلم بالرجعة، فتتزوج بعد انقضاء العدة، ثم يعلم أنه قد كان راجعها في العدة، والمفقود تتربص امرأته أربع سنين بأمر السلطان ثم تعتد وتتزوج فيقدم زوجها، أو تعلم حياته. فقيل: إنهما يفوتان جميعا بالعقد، وقيل: إنهما لا يفوتان إلا بالدخول. اختلف في ذلك قول مالك، واختلفت فيه الرواية أيضا عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. واختلف أيضا إذا كان إسلامه قبل إسلامها فلم يعلم بذلك حتى تزوجت. فقال ابن وهب ها هنا، ومثله في الشفعة من المدونة: إنه أحق بها ما لم يدخل بها الزوج الثاني الذي تزوجها بمنزلة إذا كان إسلامه في عدتها. وقال ابن الماجشون: إنه أحق بها أبدا، وإن دخل الزوج فيفسخ النكاح وترد إليه بعد الاستبراء، واختاره محمد بن المواز، وهو الصواب؛ لأنها نصرانية تحت مسلم، فلم تجب عليها عدة. وسواء دخل بها الأول أو لم يدخل. فالاختلاف إذا أسلم قبلها، إنما هو هل تفوت بالدخول أو لا تفوت به؟ ولا اختلاف في أنها لا تفوت بالعقد، والاختلاف إذا أسلم في عدتها إنما هو هل تفوت بالعقد أو لا تفوت به؟ ولا اختلاف في أنها تفوت بالدخول. فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة.
وقوله في آخرها في التي أسلمت قبل زوجها وهو غائب إنه إن قدم فلا سبيل له إليها بعد انقضاء عدتها نكحت أو لم تنكح، كلام فيه تقديم وتأخير وحذف. ومعناه: إن قدم بعد انقضاء عدتها فأسلم، فلا سبيل له إليها نكحت، أو لم تنكح. وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة التي لم تبلغ المحيض إذا زوجت وافتضت وطلقت هل يعفى عن صداقها:

قال: وسألته عن الصبية الصغيرة التي لم تبلغ المحيض، ومثلها يوطأ، زوجها أبوها رجلا فدخل بها ووطئها ثم طلقها قبل أن تبلغ المحيض، إلا أنه افتضها. هل يجوز عفو الأب عما بقي عليه من الصداق؟ قال: لا أرى عفو الأب جائزا ولا أرى عفوها هي جائزا؛ لأنه يولى عليها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا دخل بها الزوج وافتضها فقد وجب لها جميع صداقها بالمسيس، وليس للأب أن يضع حقا قد وجب لها، إلا في الموضع الذي أذن الله له فيه، وهو قبل المسيس. لقول الله عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية، وهو عند مالك الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته. وأن يكون ذلك منه على وجه النظر، رجاء استدامة العصمة عند ابن القاسم، وهذا لا وجه فيه للنظر إذ قد وقع الطلاق، فوجب ألا يجوز وضعه حقها باتفاق وبالله التوفيق.

.مسألة ينكح ابنة الرجل فيقول ماذا لابنتك فلا يلتزم الناكح بما سمى:

قالت: وسألت ابن وهب عن الذي تنكح إليه ابنته، فيقول الناكح: ماذا لابنتك؟ فيقول: لها كذا وكذا لأشياء يسميها، فيرجع الناكح في صداقها للذي قال الأب وسمى، ثم يوجد الأمر على غير ما قال وسمى، فقال: إذا عُثر على هذا قبل الدخول، قيل للزوج: إن شئت فأقم على هذا، وإن شئت ففارق ولا شيء عليك من الصداق، لا قليل ولا كثير، وإن لم يعثر على هذا إلا بعد الدخول ردت إلى صداق مثلها.
قال محمد بن رشد: قوله: وإن لم يُعثر على هذا إلا بعد الدخول، ردت إلى صداق مثلها، يريد أنه يرجع بالزائد عليها، لا على الولي، فيؤخذ ذلك من صداقها إن كان قائما، وإن كان قد تلف أخذ من مالها واتبعت به دينا إن لم يكن لها مال، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب، من أنه يرجع بذلك على الولي الذي غره، إلا أن تكون ثيبا، وقد علمت بكذب وليها فتقدمت على معرفة ذلك، فيرجع عليها إن كان لها مال، وإلا رجع على الولي. وقد قيل إنه لا كلام للزوج في ذلك؛ لأنه فرط، إذ لم يتجسس ويتثبت لنفسه، وهو قول أصبغ في الخمسة ورواية يحيى عن ابن القاسم في العشرة. ووقعت أيضا في رسم الكبش في بعض الروايات. وذلك إذا وصفها الولي بذلك من غير شرط. وأما إذا تزوجها على أن لها من المال كذا وكذا لما ليس لها، فيكون للزوج إن علم بذلك قبل الدخول أن يردها، ولا يكون عليه شيء من الصداق. وإن لم يعلم بذلك حتى دخل ومس كان لها الصداق بالمسيس، ورجع هو على من غره وزوجه على ذلك من الأولياء إلا أن تكون هي التي غرته دون الولي، فيرجع عليها بما أصدقها، ويترك لها منه قدر ما يستحل به فرجها. هذا قول مالك وأصحابه، إلا محمد بن المواز فإنه ذهب إلى أن الولي إذا زوج وليته بشرط أن لها من المال ما ليس لها، فإنما ترجع على من شرط له ذلك، وغره بما زاد من المهر على صداق مثلها إن هو خلى سبيلها ولم يرض بها، وهو بعيد. وقد مضى هذا كله في رسم يوصي من سماع عيسى. فإن سمى لها الولي شيئا من ماله عرضا كان أو أصلا عند النكاح، بشرط أو بغير شرط، فقال لها: داري الفلانية، أو عبدي فلان، كان ذلك لها نحلة لا تفتقر لحيازة. وقيل إنها تفتقر إليها، اختلف في ذلك قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه الواقعة في بعض روايات العتبية. وأما إن قال: لها الدار الفلانية أو المملوك المسمى بفلان، فقيل إن ذلك نحلة، بمنزلة إذا قال لها: داري الفلانية أو عبدي فلان، وهو قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه. وإليه ذهب ابن حبيب. وقيل إنه لا يجب لها بهذا القول شيء من ذلك، وهو قول أصبغ في الخمسة. وإذا لم يجب ذلك لها، فقد مضى الاختلاف فيما للزوج في ذلك من الحق في الشرط وغير الشرط. واختلف إذا سماها دنانير أو دراهم أو طعاما أو عروضا موصوفة، فقال لها كذا وكذا، أو سكت، أو قال: في مالي، أو عندي، أو علي، أو قبلي، على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يلزمه من ذلك شيء إذا كان ذلك منه على وجه التزيين لوليته إلا أن يرى أنه أراد بذلك، وهو قول أصبغ. والثاني أنه قال في مالي أو عندي أو علي أو قبلي لزمه ذلك نحلة لا تفتقر إلى حيازة، يؤخذ بذلك عاش أو مات، وإن لم يقل إلا: لها كذا وكذا، وسكت لم يلزمه، إلا أن يكون أبا أو وصيا، وهو قول ابن حبيب. والثالث أنه قال لها في ماله، كان ذلك في ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له لم يتبع بذلك. وإن قال لها عندي فهي عدة لا يلزمه إخراج ذلك، إلا أن يتطوع به، كان له مال أو لم يكن. وإن قال لها: علي أو قبلي، فهو لازم له في ماله إن كان له مال ودين يتبع به في ذمته إن لم يكن له مال. وإن قال: لها كذا وكذا ولم يزد على ذلك لم يلزمه شيء. وهو قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه وبالله التوفيق.

.مسألة حكم نكاح الشغار إذا لم يعلم به إلا بعد البناء:

قال: وسألته عن نكاح الشغار، إذا لم يعلم به إلا بعد البناء، قال: إن علم به قبل البناء فسخ، ولم يكن لها من الصداق شيء، وإن لم يعلم به إلا بعد البناء، فسخ أيضا، وكان لها صداق مثلها.
قال محمد بن رشد: قوله إنه يفسخ قبل البناء وبعده، ويكون فيه صداق المثل، إن فسخ بعد الدخول، هو مثل ما في المدونة في نكاح الشغار،، ومعناه إذا لم يكن معه تسمية صداق. وقد قيل إنه لا يفسخ بعد الدخول، وهي رواية علي بن زياد عن مالك. واختلف في وجه فسخه بعد الدخول، قيل لمطابقة النهي له على القول بأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، وقيل: لأنه نكاح فسد لعقده، إذ لا ينفرد البضع عن الصداق؛ لأن كل واحد من البضعين بإزاء صاحبه، فإذا بطل الصداق، بطل العقد، بخلاف الصداق الفاسد الذي هو بائن عن البضع، فإذا بطل الصداق، لم يبطل ببطلانه العقد. وقد قيل إن فسخه بعد الدخول على القول بأن النكاح إذا وقع بخمر أو خنزير، أو بغير صداق يفسخ قبل الدخول وبعده، ووجه رواية علي بن زياد قياسه على ما فسد لصداقه، إذ لا يكون البضع صداقا. وقد قيل: إنما اختلف قول مالك في فسخه بعد الدخول؛ لاختلاف الناس في تأويل الشغار، إذ ليس نص في الحديث؛ لأن المروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هو أنه «نهى عن الشغار»، وما في الحديث تفسير من نافع، وأما إذا سُمِّيَ مع نكاح الشغار صداق لم يختلف قول مالك، في أنه لا يفسخ بعد الدخول، واختلف هل يكون فيه صداق المثل بالغا ما بلغ؟ أو الأكثر؟ من صداق المثل أو المسمى؟ وذهب ابن لبابة إلى أنهما إذا دخلا على كل واحد منهما، الأكثر من صداق المثل أو المسمى، وإذا دخل أحدهما ولم يدخل الآخر ففسخ نكاح الذي لم يدخل منهما كان على الذي دخل صداق المثل، كان أقل من المسمى أو أكثر؛ لأنه يقول: إن كان صداق مثلها أقل من التسمية. إنما زدت على صداق مثلها ليزوج وليتي وليخلو ذراعي منها، فإذا فسخ نكاحها فلا أعطيها إلا صداق مثلها، وكذلك إن سميا في إحداهما صداقا لم يسميا في الآخر، فدخلا؛ لأن التي لم يسم لها صداقا يفسخ نكاحها بعد الدخول. وحمل ما في المدونة على هذا وبالله التوفيق.

.مسألة المسلم هل يعقد نكاح ابنته النصرانية:

قال: وسألته عن المسلم هل يعقد نكاح ابنته النصرانية؟ قال: يعقد نكاحها إذا زوجها مسلما، وإن أراد نكاحها نصراني لم يَلِ عقد نكاحها، وكان ذلك إلى أهل دينها، ليس لأبيها من ولايتها شيء؛ لقول الله تبارك وتعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72].
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه إذا أراد نكاحها نصراني، فلا ينبغي له أن يلي عقد نكاحها، إذ لا حظ فيه لمسلم. وقد أجاز ابن حبيب أن يزوجها من نصراني إذا لم تكن من نساء الجزية. وهذا أصح والله أعلم. وأما تزويجه إياها من مسلم فقد مضى القول عليها موعبا في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة المعتقة إلى أجل هل لسيدهاتزويجها:

من سماع من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب القضاء العاشر:
قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في المعتقة إلى أجل: إن لسيدها أن يزوجها. قال: قال مالك: ويأخذ مال المعتقة إلى سنة إلا أن يقرب عتقها. قال ابن القاسم: وكذلك النكاح، إلا أن يقرب عتقها، مثل أخذ المال سواء. قيل لابن القاسم: فمرض السيد قبل عتقها بسنة، أيأخذ مالها؟ قال: لا لأنه يأخذه لغيره، وليس للورثة أن يأخذوه بعده. قيل لأصبغ: فللورثة أن يزوجوها بعده؟ فقال: لا، كما لا ينتزعون المال بعده، كذلك لا يزوجون، وقد خرج موضع الانتزاع والتزويج بمرضه الذي يسقط ذلك عنه، فهو لا يرجع لورثته.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في رسم الأقضية من سماع يحيى، أن تزويج الأمة تابع لانتزاع مالها. وقد قيل إنه تابع لجواز وطئها، وهو قول مالك في إحدى روايتي أشهب عنه. والقياس أن للسيد انتزاع مال معتقه إلى أجل وإن مرض، إذا كان الأجل بعيدا، وأن ورثته ينزلون بمنزلته في ذلك ما لم يقرب الأجل، وهو قول مالك في رواية مطرف عنه. وقول ابن عبد الحكم وأصبغ، واختيار ابن حبيب. واختلف في حد جواز ذلك، فقيل: الأشهر، وهو قول مالك، وقيل: الشهر، وهو قول أصبغ. ولا اختلاف في المدبر وأم الولد أن السيد لا ينتزع أموالها إذا مرض؛ لأن المرض فيها كقرب الأجل في المعتق إلى أجل.

.مسألة رجل أهدى لامرأته أملك بها هدية ثم طلقها قبل الدخول:

قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم، وسئل عن رجل أهدى لامرأته أملك بها هدية ثم طلقها قبل الدخول، أو وجد النكاح مفسوخا. قال: أما الطلاق، فلا شيء له فيها. وإن أدركها بعينها. قيل له: فلم يجد ما ينفق عليها، ففرق بينهما. قال: هذا وما أشبهه طلاق، حتى يكون نكاحا حراما لا يقر عليه، أو إنكاحا مفسوخا يفسخ إذا لم يدخل. وإن كان مما يثبت إذا دخل فإن هذا إذا كان وعلم فرق بينهما، فإنه إن أدرك هديته بعينيها فهو أملك بها وهي له كلها؛ لأنه أعطى حين أعطى وهو يرى أنها امرأته، فإذا هي ليست بامرأته؛ لأنه نكاح لا يقرَّان عليه. وإن كانت قد فاتت، فلا شيء له عليها، بمنزلة من تصدق عليه بصدقة فأثاب عليها ثوابا وهو يرى أن الثواب يلزمه في الصدقات، ثم علم فطلب، فإنه إن أدرك ثوابه أخذه، وإن فات فلا شيء له عليه. قال: ولو أثابه حين أثابه وهو يعلم أن ذلك لا يلزمه، لم يكن له أن يرجع فيه، وإن أدركه بعينه.
قلت: أرأيت إن كان النكاح مفسوخا وأدرك هديته بعينها، إلا أنها قد نقصت؟ قال: فلا شيء له غيرها يأخذها منقوصة. قيل له: فإن كانت قد زادت ونمت؟ قال: لا أرى له زيادتها، ولا أرى له إلا القيمة يوم أعطاها. والقياس أنها له بنمائها، وإن كانت قد زادت، ولكن القيمة في هذا عندي أعدل. قال أصبغ: وإن دخل بها في النكاح المفسوخ فلا شيء له أيضا وإن أدركها بعينها؛ لأن النكاح الذي أهدى عليه وأعطى قد تم له بالدخول، وإنما الجواب على أنه فسخ قبل البناء بعد العطاء. ولو كان العطاء بعد الدخول ثم فسخ، رأيت ذلك له؛ لأنه أعطى على الثبات والقناعة وإكمال لنكاحه. والعشرة بينهما فيه، فلم يقر عليه. وذلك إذا كان الفسخ فيه بحدثان العطية، فأما إن كان زمان ذلك قد طال جدا السنتين أو السنين قبل الفسخ ثم فسخ، فلا أرى له فيه شيئا، وإن أدركه بعينيه، مثل الخادم يدركها، أو المنزل بعينيه؛ لأن الذي أعطى له قد رسخ له حين استمتع منه واستمتع بعطيته، فالفسخ فيه كطلاق حادث منه ها هنا، وهو رأيي ولم أسمع فيه بشيء.
قال محمد بن رشد: أما الذي أهدى لامرأته هدية قبل البناء، ثم طلقها قبل البناء أو بعده، فبين أنه لا رجوع له في هديته، وإن كانت قائمة لا تنطلق باختياره، ولو شاء لم يفعل فلا شيء له فيما أعطى. وأما الذي يجد ما ينفق عليها ففرق بينهما. فقوله: إنه لا رجوع له فيما أهدى كالطلاق، هو على أصله في أن ذلك طلاق، يجب للمرأة فيه نصف صداق. وعلى قول ابن نافع الذي لا يرى للمرأة في ذلك شيئا من الصداق، يرى الطلاق عليه بعدم النفقة أو الصداق، كالفرقة بينهما بالجنون والجذام، يكون له أن يرجع في هديته إن كانت قائمة. وقد مضى الفرق بين المسألتين في سماع سحنون. وأما إذا ألفى النكاح مفسوخا، ففرق بينهما قبل البناء، فقال: إنه يرجع في هديته إن كانت قائمة؛ لأن السبب الذي أهدى عليه لما بطل، وجب أن تبطل الهدية ببطلانه، كمسألة نوازل سحنون من كتاب جامع البيوع في الذي يضع من ثمن سلعة باعها بسبب ما كان خشي المبتاع من تلفها أو الوضيعة فيها، فيسلم من ذلك، أن له الرجوع فيما وضع. ومسألة يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق، في الذي يؤخر بالحق لسبب. فلا يتم ذلك السبب. وقد قال ابن القاسم في الدمياطية إنه لا يرجع بها. ولو كان النكاح صحيحا فوجد بالمرأة عيبا يجب له به ردها، فردها قبل الدخول، لكان له أن يرجع في هديته، على ما في كتاب الصرف من المدونة، في الذي يبيع من الرجل السلعة، فيهبها له هبة من أجل ما باع منه السلعة، ثم يجد بالسلعة عيبا، أنه يرجع بالثمن والهبة، خلاف قول سحنون: إنه لا يرجع بالهبة، وقوله على أن الرد بالعيب نقص بيع. وأما مسألة الثواب في الصدقة التي نَظَّرَها بها فلا تشبهها؛ لأن المعنى فيها أنه أعطى ما ظن أنه واجب عليه، ثم علم أنه غير واجب عليه. وقد اختلف في ذلك أيضا، ولها نظائر كثيرة في المدونة والعتبية، ومنها مسألة الذي ينفق على المطلقة وهو يظن أنها حامل، أو على زوجته ويظن أن النكاح صحيح ثابت. وقد فرق ابن القاسم بين الوجهين في الدمياطية، فقال في الرجل يتزوج المرأة ويهدي هدية الملاك، ثم يسأله أهلها أن يدخل بها، أو ينفق عليها، فينفق عليها ثم يوجد النكاح مفسوخا، إنه لا يرجع عليها بهدية الملاك، ويرجع عليها بالنفقة، ولمراعاة هذا القول استحسن في الرواية إذا تمت أن تكون له القيمة، ولا يأخذها بنمائها؛ لأن القياس على ما قال أن يكون له النماء، كما يكون عليه النقصان، ولا اختلاف إذا فسخ النكاح بعد الدخول في أنه لا شيء له في الهدية، وإن كانت قائمة، إلا أن تكون الهدية بعد الدخول والفسخ بحدثان ذلك، على ما قال. وهذا كله في الهدية التي يتطوع بها الزوج من غير شرط، ولا جرى بها عرف. فأما الهدية المشترطة فحكمها حكم الصداق في جميع الأحوال، وأما الهدية التي جرى بها عرف فأجراها ابن حبيب على القول بوجوب القضاء بها، مجرى الصداق يرجع بنصفها في الطلاق، فعلى قوله: إن طلق قبل أن يدفعها يلزمه نصفها. وأبطلها مالك رَحِمَهُ اللَّهُ عن الزوج في الموت والطلاق. وقد تكلمنا على وجه قوله في رسم مساجد القبائل، من سماع ابن القاسم. فعلى قياس قوله: إن طلق بعد أن دفعها، لم يرجع بشيء منها، وعلى القول بأنه لا يحكم بها، حكمها حكم التي يتطوع بها من غير شرط. وقد مضى القول في ذلك، والله الموفق للصواب.

.مسألة الرجل يزوج ابنته ويقبض صداقها وهي بكر في حجره وقد استهلكه:

وسمعته وسئل عن الرجل يزوج ابنته ويقر بقبض صداقها وهي بكر في حجره وقد استهلكه فقال: هو ضامن له أيضا. قيل له: فقال: قد دفعته إليها. قال: فإن كان دفعه إليها عينا فهو يضمنه؛ لأن الأبكار ليس يدفع إليهن الدنانير، إنما يجهزن. قيل: فدخلت على زوجها، فزعم أنه جهزها بكذا وكذا، ودفعه إليها، وأنكرت ذلك، قال: تحلف وتبرأ. قال أصبغ: وذلك ما لم يكن التناكر مع الدخول بما يتبين فيه كذبه بدخولها بغير شيء.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في أصل السماع عقب مسألة الرجل يتزوج البكر فيدفع صداقها إلى أبيها ببينة فيستهلكه ولا مال له. وجوابه فيها أن الأب ضامن للصداق، ويدخل الزوج بامرأته ولا شيء عليه، ولذلك قال في هذه المسألة: هو ضامن له أيضا، يريد ويدخل الزوج بزوجته، ولا شيء عليه، فساوى بين أن يكون للزوج بينة على دفع الصداق، أو لا تكون له بينة على ذلك إذا أقر الأب بالقبض، مثل قوله في آخر السماع خلاف قول ابن وهب وأشهب قبل ذلك في تفرقتهما بين ذلك في دعوى الضياع. والذي يأتي على قولهما في هذه المسألة ألا يكون للزوج سبيل إلى الدخول بامرأته، حتى يدفع الصداق إليها، فيدفعه إليها، ويتبع به الأب المقر في ذمته. وقوله: إن الأبكار ليس يُدفع إليهن الدنانير، إنما يجهزن صحيح. والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5] فنهى أن تدفع إليهم أموالهم لئلا يفسدوها ويبذروها، وأمر أن يُرزقوا ويُكسوا منها، فوجب أن يدفع إليهم ما يحتاجون إليه من نفقتهم وكسوتهم، وكذلك ما تحتاج إليه المرأة من جهازها إلى زوجها. وأحب أن يدفع إليها وإن كانت مولى عليها. وإنما وجب أن يكون القول قول الأب في أنه جهز ابنته البكر، إلى زوجها، بما قبض من صداقها، وإن كان مدعيا في ذلك؛ لأنه على ذلك قبضه منه، والعرف يشهد له به. وإنما وجبت عليه اليمين، لما تعلق في ذلك من حق الزوج.
والذي يسقط عنه اليمين، إحضار البينة، وإبراز الجهاز، وإقامته وإرساله بمحضر البينة. وإن لم تبلغ البينة مع الجهاز بيت ابنته. قال ذلك ابن حبيب في الواضحة. ولو ادعى الأب أنه جهز ابنته إلى زوجها بما لها قبله من ميراث أمها أو غير ذلك، وأنكرت، لما كان القول قوله في ذلك، ولكلف إقامة البينة على إيراد الجهاز بيتها. لقول الله عز وجل: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6].
ومن كتاب الكراء والأقضية:
قال: وسمعت أصبغ يُسأل عن الرجل تشترط عليه امرأته في كتاب صداقها ألا يسيء إليها، فإن فعل فأمرها بيدها، فإن تزوج عليها أو تسرر عليها. هل ترى هذا من الإساءة؟ فقال أصبغ: لا أراه من الإساءة، إلا أن يكون ذلك وجه ما يشترطون، ويأخذون عندهم بظاهر معروف عندهم، إن الإساءة في هذا الشرط النكاح وشبهه، وإلا فلا. قيل له: فإن ضربها ضربا مبرحا أو غير مبرح، أتراه من الإساءة؟ فقال: إن ضربها في أمر تستأهله على وجه الأدب بالأمر الخفيف، فلا أراه من الإساءة، ولو كان على غير ذلك ضربها مرارا، رأيتها إساءة، أو جاء من ذلك أمر مفرط وإن كان غير مرار.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال في النكاح والتسرر: لأن الله تعالى أذن في ذلك وأباحه بقوله عز وجل: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] ومن فعل ما أباحه الله تعالى له فليس بمسيء، ولا حجة للمرأة عليه في ذلك بشرطها، إلا أن يعلم أنهما قصدا ذلك وأراداه بسبب يدل على ذلك أو بساط. قال في الضرب الخفيف على وجه الأدب في أمر تستأهل عليه الأدب، إن ذلك ليس من الإساءة؛ لأن الله أذن للأزواج في ضرب أزواجهم بقوله: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وهذا إذا علم السبب الذي أدبها عليه ببينة أو أقرت به. وأما إن لم يعلم ذلك وأنكرته فلا يصدق الزوج عليه، ويكون لها الأخذ بشرطها بعد يمينها إنه ضربها على غير سبب استوجبت عليه الأدب، إلا أن يكون الرجل من الموثوق به في دينه وفضله وأمانته، فيصدق في ذلك، وأما الضرب المفرط فهو من الإساءة، وكذلك إن ضربها مرارا وإن لم يكن ضربا مفرطا، فيحمل ذلك من فعله على الإساءة، إلا إن تبين أنه إنما ضربها على أمر تستأهل الضرب وبالله التوفيق.